كانت الغرفة تتوهج بنور دافئ ينبعث من الثريا الناعمة. كان الرجل الذي جلس بثقة على الأريكة يمتاز بملامح متناسقة خالية من أي عيوب، وجهه الوسيم كان كأنه لوحة فنية بديعة من السماء. يرتدي بدلة أنيقة مصممة بعناية فائقة تعكس قوته وهيبته. في تلك اللحظة، كانت عينا أصلان البشير تشعان ببرودة محسوسة، وكأنهما تعكسان صدى صوت جدته القوي والحازم الذي يرن في ذهنه.
"يا أصلان، عليك أن تتزوج من أميرةتاج. لن أقبل بغيرها كزوجة حفيد عائلة البشير."
في تلك الفترة، كان أصلان يفكر فقط في المرأة التي اغتصبها في تلك الليلة المظلمة منذ سنوات. في تلك الليلة المشؤومة، تم خداعه وتسميم مشروبه حتى أصبح في حالة سُكر شديدة، لدرجة أنه لم يتذكر سوى بكاء المرأة المستميت وتوسلها له بالرحمة.
بعدما انتهى كل شيء، أعطاها ساعته ووضعها في يدها، ثم فقد وعيه في ظلمة تلك الغرفة.
بعد مرور خمس سنوات، لا يزال يبحث عنها. كان ذلك قبل أسبوع فقط حين علم أنها قد باعت ساعته في سوق البضائع المستعملة. لكن الأخبار وصلت متأخرة جدًا، فقد أصرت جدته على أن يتزوج من امرأة أخرى.
في تلك اللحظة، رن هاتفه مرة أخرى. أجاب بحدة: "ماذا؟"
"السيد أصلان، لقد وجدنا الفتاة. اسمها هالة سمير، وهي من باعت الساعة بنفسها."
"أرسل لي عنوانها، وسأزورها"، أمر أصلان وفي عينيه بريق أمل. "لقد وصلت أخيرًا لمكان تلك الفتاة الغامضة من تلك الليلة! يجب أن أجدها وأعوضها عما فعلته."
في تلك الفترة العصيبة، كانت هالة تدير بمهارة متجرا للملابس النسائية الذي استلمت زمامه قبل أكثر من عام. واجهت المتجر صعوبات مالية بالغة، حيث كان الركود يخيم على المكان، مما جعلها تصارع للإيفاء بمصاريف الإيجار. في خضم هذه الأزمة، قررت هالة اتخاذ خطوة جريئة ببيع ساعتها القيمة. هذا القرار أتى بنتائج غير متوقعة حيث إن الساعة جلبت لها مبلغاً ضخماً وصل إلى خمسمائة ألف، مما فتح باب الأمل أمامها لتجاوز تلك الأزمة المالية.
تحولت قصة الساعة إلى فصل مثير في حياة هالة. الساعة، التي لم تكن ملكًا شخصيًا لها بالأصل، وجدت طريقها إليها بظروف غير متوقعة.
قبل خمس سنوات، أُبلغت بأن هناك ساعة تم استردادها من غرفتها في النادي وطُلب منها استلامها من قسم الأشياء المفقودة، وهي في المقابل لم تتوانى عن المجيء وادعاء ملكيتها للساعة الرجالية الفاخرة دون أي تردد.
هذا الادعاء أعطاها ملكية غير متوقعة لقطعة ثمينة، ظلت مخبأة في خزانتها دون أن تدرك قيمتها الحقيقية حتى أقدمت على بيعها في سوق السلع المستعملة الأسبوع الماضي. وقبل عرضها للبيع، لم تكن لديها أدنى فكرة عن القيمة الحقيقية للساعة، ولكن الصدمة كانت عظيمة عندما عُرض عليها خمسمائة ألف مقابلها.
وبينما كانت تنظر هالة إلى المبلغ في حسابها البنكي، انتابتها مشاعر السعادة والأمل، وهمست لنفسها: 'يبدو أنني سأعيش أيامًا مرفهة لفترة.'
وفي ذلك الحين، فُتح باب المحل، فنهضت لاستقبال الزبون قائلة: 'أهلًا بك في...'
لكن كلماتها تبخرت واختفت، وهي تحدق مشدوهة، لم تكمل جملتها.
دخل رجلا المحل، طويل القامة ومستقيم الهيئة. تميز بوسامة لا توصف، محملًا بنبل غير مصطنع.
ظلت هالة للحظات مذهولة، قبل أن تستجمع قواها وتتمتم بتردد: "هل تبحث عن أحد، سيدي؟"
كان السؤال معقولًا؛ فهي تدير محلًا نسائيًا، ولم يكن منطقيًا أن يكون هذا الرجل ذو البدلة الفاخرة هنا ليستعرض فساتين السيدات. واقفًا بطول يناهز الستة أقدام واثنين، كان حضوره يفرض نفسه بقوة.
"هالة سمير؟" تساءل أصلان بنظرات تتأملها بعمق، يتفحص وجهها بحثًا عن ملامح تلك المرأة منذ خمس سنوات.
"أجل، أنا هالة. وأنت..." لم تستطع هالة إتمام جملتها؛ فقد أسكتها النظرات العميقة والمحترقة من الرجل.
ردًا على سؤالها، أخرج الرجل من جيبه ساعة رجالية، ورجف صوته وهو يسأل: "هل كانت هذه الساعة بحوزتك طوال تلك السنوات؟"
رأت هالة الساعة وشعرت بغصة عميقة. بنبرة متلعثمة ومحملة بالذنب، أقرت: "نعم، الساعة... كانت لي."
"وهل أنتِ المرأة التي كانت في النادي قبل خمس سنوات؟ في الغرفة رقم 808؟" استرسل أصلان، مستغرقًا في التحديق بها، مفكرًا بدهشة: "تُرى، هل هي الفتاة نفسها من تلك الليلة؟"
" وهنا قد بدأت تتشكل عاصفة من الأفكار في ذهن هالة. الغرفة 808، منذ خمس سنوات... هل كان ذلك هو الحدث الذي خططت له أنا وإيمي للقضاء على أميرة؟' تساءلت، محاولة فهم السبب وراء استفسار هذا الرجل عن ذلك الماضي.
بدون تفكير مطول، أجابت بكل صدق: "بالطبع... "
"أمسك بيد هالة برفق وضع فيها الساعة، قائلاً بنبرة حازمة، ولكنها تحمل لمسة من الندم: 'احتفظي بهذه الساعة من الآن فصاعدًا، ولا تفكري في بيعها مجددًا. سأعوضك عما حدث في تلك الليلة.' ثم أضاف بصوت أكثر جدية، وهو ينظر في عينيها مباشرةً: 'أنا أصلان البشير. تذكري اسمي، هل ستفعلين ذلك؟"
"رفعت هالة رأسها لتنظر إليه، والصدمة تكسو وجهها.أصلانالبشير؟هل هو ذاته وريث مجموعة البشير الرائدة؟ 'أ-أنت أصلانالبشير؟' تلعثمت في السؤال، متأثرة لدرجة أنها شعرت أنها قد تنهار.
"تدخل الرجل الواقف بجانب أصلان في الحديث، ممدًا بطاقة الاسم نحو هالة وقال بنبرة رسمية: 'الآنسة هالة سمير، هذه بطاقة عمل سيدنا الشاب. يمكنك التواصل معه إذا احتجتِ لأي نوع من المساعدة.'"
أمسكت هالة بالبطاقة بيد مرتعشة، وعندما استقرت عيناها على الاسم المحفور ببريق ذهبي على الورقة الفاخرة، شعرت بقلبها يكاد يتسارع خارج صدرها. فهل يعقل أن الرجل الذي كان مع أميرة قبل خمس سنوات لم يكن مجرد مرافقا جلبناه لها، بل كان هذا الشخص الرائع، وريث ثروة عائلة البشير؟
ومع تبلور الحقيقة في ذهنها، مدت هالة يدها وأمسكت بذراع أصلان بقوة، ثم أجبرت نفسها مصطنعةً على ذرف الدموع وهي تنفجر في نوبة بكاء. 'عليك تحمل المسؤولية، أصلان. أتعلم مدى الألم والصدمة التي عانيت منها بعد تلك الليلة؟' وبذلك، أخفضت رأسها وبدأت تذرف دموع التماسيح، وهي تنتحب بشقاء، كأنها كانت الضحية قبل خمس سنوات.
في تلك اللحظة، كانت عينا هالة مثبتتان على هدف واحد: الانخراط في تمثيل دور أميرة وتبني مكانة الضحية من تلك الليلة التي تغير فيها القدر. كانت مصممة على جعل أصلان يتحمل المسؤولية، وذلك لاستخلاص أكبر قدر ممكن من المنافع من هذا الموقف. في نهاية المطاف، كانت تأمل في أن تنال الزواج من الرجل وأن تصبح السيدة البشير.
"بصوته العميق والخشن، تحدث الرجل بجدية، محملاً كلماته بالثقة والطمأنينة: 'لا تقلقي، أعدك بأني سأتحمل المسؤولية.'"
"الآنسة هالة سمير، لقد قمت باستئجار فيلا لك. يمكنك الانتقال في أي وقت، وسأتولى رعاية جميع احتياجاتك." أضاف مساعد أصلان، رعد عثمان، بنبرة تعاونية.
عيون هالة تلألأت فجأة. انتابها شعور بالبهجة العارمة، كادت أن تفقد وعيها. 'قريبًا سأمتلك ثروة وعالمًا ساحرًا!' فكرت بحماس.
"هناك بعض الأمور التي يجب أن أعتني بها، لذا سأغادر الآن." قال أصلان، وبعد أن رمق هالة بنظرة سريعة، انصرف.
بمجرد أن أُغلق الباب خلفه، أمسكت هالة بالساعة بإحكام. كانت مشاعرها تتقلب بشدة بسبب هذا التحول المفاجئ في الأحداث، حتى بدا وكأن الدموع ستنهمر من عينيها. 'سأكون ثرية! ثرية جدًا!' صرخت في داخلها وهي تحتفي بهذه النعمة غير المتوقعة. وفي خضم احتفالها، كان جزء منها يأمل بشدة ألا تكون أميرة على قيد الحياة لتظهر فجأة من جديد لتقضي على كل أحلامها.
في السيارة الفاخرة، جلس أصلان في المقعد الخلفي، عيناه مغمضتان. 'هل هالة هي فعلاً المرأة منذ خمس سنوات؟ لماذا تبدو مختلفة الآن؟ هل الزمن غيّرها؟' تساءل في صمت.
كانت أشعة الشمس البرتقالية من غروب الشمس تتسرب عبر نافذة السيارة، تُظهر ملامح الرجل شديدة الوسامة. كانت وسامته مذهلة، لدرجة أنه يبدو كتحفة فنية نادرة؛ ملامحه لا تُقارن.
كان الوريث الحقيقي لمجموعة البشير. لقد تسلم الزمام قبل خمس سنوات وأطلق الشركة إلى آفاق جديدة، بحيث تُوجت بالمركز الأول بين أبرز الشركات العالمية.
في تلك الليلة القدرية التي وقعت قبل خمس سنوات، مر أصلان بأول وأشد انتكاسة في حياته. أحد منافسيه كان قد دس له مادة مخدرة في مشروبه، على أمل أن يدفعه ذلك لإفساد سمعته بنفسه. نجا أصلان من فخ الموقف بالهرب إلى غرفة خاصة، لكن بالتزامن مع بلوغ تأثير المخدر ذروته، دخلت امرأة مجهولة الغرفة بشكل مفاجئ وأنقذته من ورطته.
منذ تلك اللحظة، بقيت ذكرى تجاوزه واعتدائه على براءة فتاة تثقل كاهل ضميره بشدة. هذا الفعل الذي لا يمكن محوه استمر في إلقاء ظلاله على أفكاره، ملوثًا مشاعره بشعور الذنب العميق.
كان يحمل قناعة راسخة بأن الفتاة كانت عفيفة حتى تلك الليلة المشؤومة. عندما استفاق من غفوته بعد الحادث، لاحظ في ضوء الغرفة الخافت آثار الدم على الأريكة، مما أكد شكوكه وزاد من حدة ندمه.
وهو يتذكر الفوضى التي خلفها في الغرفة الخاصة تلك الليلة، تبددت شكوكه حول هوية هالة والانطباع الذي كونه عنها. 'يجب أن أقف وجهًا لوجه مع ما اقترفته، وأتحمل مسؤولية أفعالي تجاهها.' كان هذا قراره الحاسم.
وفي هذه الأثناء، كانت أميرة في شقتها في بلد آخر كما قالت في الهاتف: "فهمت. أعطني ثلاثة أيام على الأكثر للعودة إلى البلاد والاستعداد للمنافسة."
"أمي، هل سنعود؟" جاء طفل صغير يتجول بجوارها. كان يرتدي قميصًا أزرق اللون كاروهات وشورت جينز. كانت ملامحه منحوتة بدقة، على الرغم من أنها كانت طفولية. لم يكن يبلغ من العمر سوى أربع سنوات تقريبًا، ولكن كان هناك سحرا وأناقةً لا يمكن إنكارهما في حركاته.
نظرت إليه أميرة وابتسمت بحنان، ثم أجابت برأسها: "هل ترغب في العودة معي؟"