الفصل 8 حتى أنكِ ضربتِ أحدهم

مرّ بريق من الذعر في عيني وفاء، لكنها حاولت التظاهر بالبراءة. يارا، عمّا تتحدثين؟ كيف يُمكنني أن أنصب لكِ فخًا؟ كنتُ مجرد فتاة ساذجة، تصرفتُ بدافع الجشع، طفولتي لم تكن سهلة أبدًا، ولم أرَ قلادةً بتلك الروعة من قبل. لكن يارا لم تكن ساذجة لتصدق هذا التبرير، حدّقت بها ببرود وسلطة واضحة. إذا لم يكن الأمر متعمدًا، فلماذا لم تُنكري التهمة عندما اتهمتني صديقتكِ مروة؟ لماذا بقيتِ صامتة، تذرفين الدموع، بينما كنتُ أنا أتحمل اللوم؟ ارتبكت وفاء للحظة، ثم قالت بتوتر واضح: لأن الآنسة فاتن كانت مخيفة جدًا، عندما هددتني بالاتصال بالشرطة وقالت إن اللص سيُسجن مدى الحياة، شعرتُ بالرعب، لم أكن أعرف ماذا أفعل، كنتُ... قاطعتها يارا بسخرية لاذعة: إذن، فضّلتِ أن أتحمل اللوم بدلًا منكِ؟ يا لكِ من جبانة، توقفي عن ذرف دموع التماسيح، فقد أصبحت مقززة. أمسكت وفاء بذراعها، ودموعها تنهمر بغزارة، وكأنها تحاول استعطافها. يارا، أعلم أن السنوات الأربع الماضية كانت قاسية عليكِ، أعدكِ أن أعوّضكِ عن كل شيء، أخبريني فقط ماذا تريدين، وسأفعله، لمَ لا تعودين معي إلى المنزل الآن؟ سأمنحكِ كل ما لديّ، حتى كمال، نعم أنا أحبه كثيرًا، ونحن على وشك الخطوبة، لكنني مستعدة للتخلي عنه من أجلكِ. كان في صوتها أثر خفي للتفاخر، وكأنها تُذكرها بأنها الفائزة في النهاية. لكن يارا لم تتأثر، أبعدت يدها عنها وحدّقت بها بنظرة فارغة من أي مشاعر. رجاءً، كفي عن الحديث عن رجلٍ تافهٍ لا يهمني، أنتِ وكمال مناسبان لبعضكما تمامًا، لذا كوني مطمئنة، لن أُفسد عليكما سعادتكما. لم تستطع وفاء إخفاء صدمتها: لكنكِ لن تعودي إلى المنزل؟ هذا مستحيل، لا أصدق أن أبي قد تخلّى عنكِ. إذن ارتاحي، في عائلة جمال، لم تعد هناك سوى ابنة واحدة، وأنتِ تعرفين جيدًا من تكون. اتسعت عينا وفاء بدهشة حقيقية هذه المرة: لا بد أن هناك سوء تفاهم، سأذهب وأتحدث مع أبي، لا يمكن أن يكون قاسيًا إلى هذا الحد، ستبقين أختي دائمًا. لكن يارا لم تعد تكترث، وزفرت بنفاد صبر. كفى، لقد تحدثتِ كثيرًا، هل تحاولين تهدئة ضميركِ؟ لا حاجة لكل هذا التمثيل، في النهاية، كل ما في الأمر أنني لم أعد جزءًا من هذه العائلة، وأنتِ تعلمين ذلك جيدًا. كانت وفاء لا تزال تبكي، وكأنها الضحية الوحيدة في هذا المشهد. لكن يارا لم يعد لديها طاقة لمواصلة هذه المسرحية المبتذلة، نظرت إلى زجاجة العصير المكسورة على الأرض، ثم قالت ببرود: سأطلب من شخصٍ آخر أن ينظف هذا الفوضى بدلًا مني. ثم استدارت وغادرت الغرفة، دون أن تلقي نظرة أخرى إلى الوراء. لم تكن صحتها في أفضل حالاتها، ولم تكن ترغب في تضييع المزيد من الوقت على وفاء وألاعيبها. لم تكن صديقة وفاء المقربة مجرد شخصية عادية، بل كانت تجيد التلاعب بالمواقف لصالحها. أما يارا، فلم تكن ترغب في الإبقاء على أي علاقة مع عائلة جمال، باستثناء فيحاء. بمجرد أن غادرت يارا الغرفة الخاصة، لحقت بها وفاء على الفور. يارا، انتظريني، لا يزال لديّ ما أقوله لكِ... أزعجها إلحاحها الشديد، فحاولت تجاهلها، مسرعةً في خطواتها رغم الألم الذي ينبض في ساقيها. عندما وصلت إلى الدرج، تعثّرت وفاء فجأةً، وترنحت على الحافة، مطلقةً صرخة حادة. توسّعت عينا يارا بصدمة وهي تراقب المشهد، كانت وفاء تتشبث بالسور، لكنه انزلق من بين أصابعها، وكأنها فقدت السيطرة تمامًا. في تلك اللحظة، راود يارا تساؤل مُرّ: هل هي خائفة حقًا، أم أنها تعيد السيناريو نفسه الذي أدى إلى سقوطي قبل أربع سنوات؟ مرّ انعكاس قاتم في عينيها، لكنها لم تتردد، تحركت بغريزتها، أمسكت بالسور، وانقلبت بسرعة لتقفز، قبل أن تسقط وفاء، احتضنتها، مستخدمةً جسدها لتخفيف الصدمة. اتسعت عينا وفاء بذهول، غير مصدّقة كيف تحركت يارا بهذه السرعة. لكن يارا لم تكن كما كانت قبل أربع سنوات، في السجن، صقلت ردود أفعالها، تعلمت كيف تنجو من الضربات القاتلة، كيف تتفادى الأذى، وكيف تكون سريعةً بما يكفي لحماية نفسها. لكن هذه المرة، كانت هي من تعرض للأذى. سقطت بقوة على الأرض، وارتطم جسدها وساقاها ورأسها بالدرج، كان الألم لا يُحتمل، حتى أنها شعرت بوعيها يتلاشى للحظة. نزف جبينها من جرح عميق أصابته حافة درج خرسانية، لكن رغم الألم، لم تندم. رفعت رأسها بصعوبة، وسألت بصوت ضعيف: هل أنتِ بخير؟ كانت وفاء الابنة المدللة لعائلة جمال، أي مكروه يصيبها بحضور يارا، سواء كان لها يد فيه أم لا، سيُستخدم ضدها دون تردد. لقد عانت يارا بما فيه الكفاية، وخرجت من السجن بصعوبة، ولم تكن لتسمح لعائلة جمال بأن تجد سببًا آخر لإيذائها مجددًا. تحت الضوء الخافت، بدت وفاء شاحبة وخائفة، كانت عيناها محمرّتين، وحدّقت بالأرض دون أي تعبير. هرعت مروة نحوها، وأمسكت بذراعها لتساعدها على النهوض. سألتها بقلق ظاهر: وفاء، هل أنتِ بخير؟ لكن وفاء ظلت صامتة، وكأنها لا تزال تحت تأثير الصدمة. عندها، التفتت مروة نحو يارا، والغضب مشتعل في عينيها، دون أن تفكر أو تتأكد مما حدث، أشارت إلى يارا متهمةً إياها بصوت مرتفع: لماذا دفعتِ وفاء من على الدرج؟ يا لكِ من امرأة قاسية القلب، كان الدرج مرتفعًا جدًا، ومع ذلك تجرأتِ على دفعها، هذه محاولة قتل واضحة. كان سلوكها المتغطرس مطابقًا تمامًا للطريقة التي تصرفت بها قبل أربع سنوات، عندما اتهمت يارا زورًا بأنها لصّة. لكن هذه المرة، يارا لم تكن الفتاة التي ستقف مكتوفة الأيدي. عندما سمعت وفاء تلك الكلمات، عادت إلى الواقع، لا تزال تحت تأثير الصدمة، كانت الدموع تتلألأ في عينيها، وقالت بصوت متقطع: يارا لم تفعل ذلك عن قصد، إنها طيبة القلب، لا يمكن أن تدفعني. لكن مروة لم تكن مستعدة لترك الأمور تسير بهذا الشكل، رمقتها بنظرة متفحصة قبل أن ترفع صوتها بغضب مصطنع: مستحيل، لقد رأيتُ كل شيء بعيني، لقد لاحقتها إلى الدرج وظللتِ تعتذرين، لكنها رفضت قبول اعتذارك، ثم بسبب غضبها، دفعتكِ أرضًا. ثم انفجرت ضاحكة بسخرية، قبل أن تضيف بحماس: وفاء، علينا الاتصال بالشرطة فورًا، يجب أن تتهميها بمحاولة قتلك. لكن قبل أن تتحول الأمور إلى كارثة، هزّت وفاء رأسها بعنف، ورفضت قائلة: لا، لن تحاول يارا قتلي أبدًا، لا يمكنني السماح لها بالعودة إلى السجن مجددًا. في تلك اللحظة، رأت يارا كيف لعبت الاثنتان دورهما بانسجام وكأنهما تدربتا عليه مسبقًا: كفى. بلغ الغضب بها ذروته، فرفعت يدها وصفعت مروة بقوة. صفعة مدوّية ملأت الهواء. اتسعت عينا مروة بذهول، ورفعت يدها إلى خدّها المتورم، غير قادرة على استيعاب ما حدث. صاحت بصدمة: كيف تجرئين على ضربي؟ لكن يارا لم تكن مستعدة للسماح لها بإعادة كتابة الأحداث كما فعلت قبل أربع سنوات، تقدمت خطوة أخرى، وحدقت في مروة ببرود: إذا كنتِ بحاجة إلى صفعة، فهل عليّ أن أختار توقيتًا مناسبًا لذلك؟ وقبل أن تستوعب مروة ما يحدث، جاءت الصفعة الثانية. ضربة أقوى هذه المرة، جعلت رأسها ينحرف جانبًا، وتركت طنينًا في أذنيها. ثم تحدثت يارا بصوت حاد، كل كلمة تحمل ثقل سنوات من الظلم والغضب المكبوت: الصفعة الأولى... لاتهامكِ لي زورًا بالسرقة قبل أربع سنوات، والتسبب في سجني ظلمًا. والصفعة الثانية... لكذبكِ مجددًا ومحاولتكِ إلقاء اللوم عليّ في سقوط وفاء. بعد ذلك، استدارت إلى وفاء، وحدّقت بها مباشرة، ثم زأرت بصوت منخفض لكنه مشحون بالغضب: لا يهمني إن كانت صديقتكِ المقربة هي من دبّرت هذا الأمر، أو إن كنتِ أنتِ من تحركين الخيوط من وراء الكواليس، لكن اسمعي جيدًا... تقدمت نحوها خطوة، مما جعل وفاء تتراجع لا إراديًا. لقد نجوتُ من الموت مرة، ولن أسمح لكِ بإيقاعي في فخ آخر، إذا تكرّر ما حدث اليوم، فلن تقع الصفعة القادمة على وجه مروة... بل على وجهكِ أنتِ. وقفت وفاء مكانها، عاجزة عن النطق، كان وجهها شاحبًا، وأصابعها متشبثة بحافة تنورتها، سواء كان ذلك خوفًا أم شعورًا بالذنب، لم تملك حتى الشجاعة لرفع رأسها والنظر إلى يارا. لقد ضربتني. صاحت مروة، التي بدأت تستعيد وعيها من الصدمة: سأتصل بالشرطة، لا أحد يجرؤ على لمسي بهذه الطريقة. لم يمضِ وقت طويل حتى تجمّع الناس حولهم، يتهامسون فيما بينهم، وسط الحشد، تحركت شخصية شامخة، تحمل هالة من السلطة والقوة. كان سامي. توقف أمامهم، ناظرًا إلى المشهد بعينيه الحادتين، ثم بصوت بارد كالجليد، قال: يارا، هل ضربتِ أحدًا؟
جلسة
خلفية
حجم الخط
-18
فتح الفصل التالي تلقائيًا
محتويات
الفصل 1 أربع سنوات بعد السجن الفصل 2 ما زلتِ ابنتي الفصل 3 أربع سنوات من العذاب الفصل 4 الأخلاق الرفيعة الفصل 5 أسوأ من بعضنا البعض الفصل 6 إيماءات زائفة الفصل 7 لقاء غير متوقع في المقهى الفصل 8 حتى أنكِ ضربتِ أحدهم الفصل 9 الحقيقة الفصل 10 استيقاظ فيحاء الفصل 11 مقارنة كمال بكلب appالفصل 12 الانتقام لأجلها appالفصل 13 أرادوا أن تتحمل اللوم مرةً أخرى appالفصل 14 لم أعد جمال appالفصل 15 الاتفاق على الاعتذار لعائلة حمدي appالفصل 16 لديك الكثير من وقت الفراغ appالفصل 17 اتصل بها appالفصل 18 لم أعد أحبهم appالفصل 19 لا دخان دون نار appالفصل 20 دائمًا خاطئ appالفصل 21 موعد appالفصل 22 فيلم سيء appالفصل 23 الزواج مدبّر appالفصل 24 الحبيب السابق appالفصل 25 سؤال أخير appالفصل 26 سوء فهم appالفصل 27 مزاد خيري appالفصل 28 خطيبتي appالفصل 29 إهانة appالفصل 30 هدايا appالفصل 31 اعتذري واصفعي نفسك خمس مرات appالفصل 32 معايير مزدوجة appالفصل 33 اتركها appالفصل 34 الغرق عن قصد appالفصل 35 المزيد من القصة appالفصل 36 اسحب الزناد appالفصل 37 سامي يتعرض لإطلاق النار appالفصل 38 تجمع عائلتين بارزتين appالفصل 39 ألا تخافين من البنادق appالفصل 40 الكنة المستقبلية appالفصل 41 فسخ الخطوبة appالفصل 42 هدايا الخطوبة appالفصل 43 الألماس الوردي appالفصل 44 سامي يضرب يارا appالفصل 45 غضب يارا appالفصل 46 نزاع الهدايا appالفصل 47 لعبة الاستعطاف appالفصل 48 وصية فيحاء appالفصل 49 اتهامات باطلة appالفصل 50 انحياز كمال appالفصل 51 الاختطاف appالفصل 52 العلاج appالفصل 53 أصبح الموت رفاهية appالفصل 54 الهروب appالفصل 55 سنهرب معًا appالفصل 56 حفلة عيد ميلاد هبة appالفصل 57 لماذا حاولت الهروب appالفصل 58 استئصال الشر appالفصل 59 انتظر انتقامي appالفصل 60 الشكر appالفصل 61 موقف كمال appالفصل 62 وفاء تتوسل appالفصل 63 مكشوف للجميع appالفصل 64 العملية الجراحية كانت ناجحة appالفصل 65 رجاءً أعذرها appالفصل 66 محاولة لكسب التعاطف appالفصل 67 اللعب بورقة الشفقة appالفصل 68 طعام مصنوع بحب appالفصل 69 اللعب بورقة الجدة appالفصل 70 محاولة الانتحار appالفصل 71 الصراحة الزائدة appالفصل 72 نزاع على المنشفة appالفصل 73 انقلاب الطاولة appالفصل 74 تبقيني كعشيقة appالفصل 75 استيقاظ فيحاء appالفصل 76 الموعد الأول والأخير appالفصل 77 كلما زاد العدد كلما زادت البهجة appالفصل 78 ممسكاً بيدها appالفصل 79 مناظر خلابة appالفصل 80 الحصى على شكل القلب appالفصل 81 لحظات ما قبل السقوط appالفصل 82 الأعداء اللطفاء والأصدقاء المزيفين appالفصل 83 ماضي جميل appالفصل 84 افتعال المشاكل appالفصل 85 هذا يكفي appالفصل 86 إيجاد الحجر appالفصل 87 اتفاق appالفصل 88 غرفة مرعبة appالفصل 89 إعادة السوار appالفصل 90 إلى شرق أرباد appالفصل 91 بيع الخطيبات appالفصل 92 انتحار appالفصل 93 امرأة جديدة appالفصل 94 مشكلة بسيطة appالفصل 95 محاولة الهرب appالفصل 96 وصول النجدة appالفصل 97 اعتداء جماعي appالفصل 98 قاتل سابق appالفصل 99 مقارنة بلا فائدة appالفصل 100 انتقام app
أضف إلى المكتبة
@ Joyread
UNION READ LIMITED
Room 1607, Tower 3, Phase 1 Enterprise Square 9 Sheung Yuet Road Kowloon Bay Hong Kong
جميع الحقوق محفوظة © چوي ريد