قالت وفاء، باكية كطفلة وكأنها تعرضت لظلم جسيم: أنا آسفة يا يارا، كل هذا خطأي.
في البداية، كان سامي يشعر بمشاعر طيبة تجاه يارا، لكن عندما رأى معاناة وفاء الواضحة، بدأ عطفه عليها يتقلص بشكل ملحوظ.
في تلك اللحظة، كان يشعر كما لو أنه أسد يحمي شبله، وكل جسده يرتجف من التوتر وهو يدافع عن وفاء.
قال بحدة: لماذا تلوميها؟ هي لم تكن السبب في إصابتكِ، أنتِ غير منطقية.
ردت يارا: هي ليست غير منطقية.
فجأة، سمعوا صوتًا جذابًا قادمًا من مدخل الجناح.
كان كمال يقف عند الباب.
لقد سمع كل ما جرى في الجناح، بما في ذلك معاناة يارا أثناء فترة سجنها التي دامت أربع سنوات.
سأل سامي بدهشة: كمال؟ كيف وصلتَ إلى هنا؟
أجابت يارا باستخفاف: كمال هو من دفع ثمن غرفتي في الفندق.
ارتجف صوت سامي من الإحباط: يا إلهي، كمال أنت مخطوب لوفاء الآن، أليس من غير اللائق أن تكون قريبًا إلى هذا الحد من نساء أخريات؟
قال كمال معقود الجبين، وقد بدا عليه الإحباط: هل أخطأت في ترتيب أولوياتك؟ السيدة يارا جمال خرجت للتو من السجن، هل سأل أحدكم إذا كانت جائعة أو قد تناولت طعامًا؟ وتبدو مريضة جدًا، هل فكر أحدكم في ترتيب فحص طبي لها فورًا؟
انغمس سامي في صمت عميق، ثم أطلق تنهيدة ثقيلة بعد لحظة: لقد كنت مهملًا جدًا.
ضحكت يارا ضحكة مريرة.
لم تكن نظرتها لكمال تعبيرًا عن شكر أو استياء، بل كانت خالية من أي عاطفة.
من المفارقات أن الذين يجب أن يهتموا بها بعد خروجها من السجن لم يكونوا هم الأكثر حرصًا عليها، كان هو، حبها القديم، لكنه في ذات الوقت كان خطيبها الذي جرحها بعمق.
مسحت هبة دموعها بمنديل، وقلبها يؤلمها وهي تقول: سامي، اطلب طعامًا لأختك بسرعة.
أدرك سامي ما فاته، فأومأ برأسه بسرعة وأخرج هاتفه ليطلب وجبة مغذية.
ربما كان شعوره بالذنب هو ما دفعه لاختيار مطعم فاخر بتكلفة مرتفعة.
قال بهدوء: لقد طلبت الطعام، دفعت مبلغًا إضافيًا للتوصيل السريع، من المفترض أن يصل خلال نصف ساعة.
أجابت يارا بهدوء: شكرًا لك، سيد سامي جمال.
صُدم سامي للحظة.
منذ أن خرجت من السجن اليوم، لم تُنادِه باسمه مرة واحدة.
كان سلوكها منعزلًا إلى حد أن حتى الغرباء كانوا يظهرون أكثر دفئًا منها.
انفجر الغضب في قلبه فجأة.
اقترب من يارا بسرعة، وعيناه تتلألأ بنظرة باردة وقاسية وهو يسأل: هل أنتِ متأكدة أن الإصابات التي بجسدك نتيجة سجنكِ؟ زنزانة مائية وتعذيب كهربائي؟ لقد سُجنتِ فحسب، ولم تُرسلي إلى مكان قاسٍ، في مجتمع يحكمه القانون، من المستحيل أن أصدق أن أحدًا عذبكِ أو انتزع منكِ اعترافات بالقوة.
عبست يارا: سيد سامي جمال، ماذا تعني بهذا؟ هل تظن أنني تسببت في هذه الجروح بنفسي؟ هل تعلم أنني قضيت أول ثلاث سنوات في سجن المنطقة التاسعة؟ لم أُنقل إلى سجن جيدونا للنساء إلا العام الماضي.
ذكرت سجن المنطقة التاسعة، فخيم صمت ثقيل على الغرفة في تلك اللحظة.
كان السجن يقع على جزيرة، محاطًا بمحيط شاسع لا ينتهي، كان مكانًا قاتمًا ومرعبًا، يضم أخطر المجرمين وأكثرهم شرًا.
كان النظام هناك قاسيًا للغاية.
لم يكن هناك حرية للسجناء، وطعامهم وشرابهم كانا قاسيين، وأي خطأ كان يُقابل بعقوبات قاسية ومروعة.
عرف السجن بكونه أحد أكثر السجون رعبًا في العالم.
كان مجرد ذكر اسمه يثير في النفس صورًا من أعمق أعماق الجحيم.
لم يكن الوضع يختلف عن الذهاب إلى مكان بعيد جدًا وعنيف.
لكن المفاجأة كانت أن يارا قضت ثلاث سنوات هناك.
قالت يارا بنبرة خالية من التعبير، وعينيها فارغتين كما لو أن روحها قد فارقتها: بالنظر إلى ردود أفعالك، يبدو أنك على دراية بسجن المنطقة التاسعة، هل تحتاج مني أن أروي لك عن وقتي هناك؟ ثق أنها قصة ستظل عالقة في ذاكرتك طوال حياتك.
بدت وكأنها تتحدث عن شيء عابر: في أول يوم لي هناك، غرزوا مسمارًا حديديًا في طرف إصبعي، صرخت من شدة الألم، وعندما انتزعوه، تناثر الدم في كل مكان، كان الألم شديدًا لدرجة أنني فقدت الوعي، أيقظوني برشّ الماء على وجهي، وفي النهاية، امتلأت يدي بمسامير حديدية طويلة، في اليوم التالي، جلدوني بسوط مبلل بماء الفلفل الحار، كان جسدي كله مليئًا بالكدمات، والدماء في كل مكان، في اليوم العاشر، ألقوني في زنزانة مائية، كانت المياه القذرة مليئة بالعلقات والجرذان، وكل أنواع الكائنات المقززة، كانت تهاجم جسدي كله، وكان الألم لا يُحتمل لدرجة أنني لم أستطع حتى الصراخ طلبًا للمساعدة.
انفجر سامي، غير قادر على التحمل أكثر، وأمر بالتوقف فورًا: حسنًا، هذا يكفي.
كانت وفاء ترتجف من الخوف، ويداها تغطيان أذنيها.
فجأة رفعت يارا رأسها ونظرت إليهما بنظرة باردة ومظلمة.
ماذا؟ هل لا تستطيعين حتى تحمل سماع ذلك؟ إذًا، كيف تعتقدين أنني، أنا التي عايشت هذا، تمكنت من النجاة؟
تساءل سامي باندهاش: لماذا لم تخبرينا أنكِ ذهبتِ إلى سجن المنطقة التاسعة؟ لم يكن لدينا أدنى فكرة.
أطلقت يارا ضحكة ساخرة: لماذا لم أتحدث، تسأل؟ هل تعتقد حقًا أنني كنت أستطيع التواصل مع العالم الخارجي؟ في المرة الوحيدة التي طلبت فيها من حارس السجن استعارة هاتف، هل يمكنك تخمين ماذا حدث؟ علقوني وضربوني طوال الليل.
احمر وجه سامي بشكل ملحوظ، كأنما أصيب بصدمة شديدة.
تابعت يارا: ربما لم يُرد القدر أن أموت، فسمح لي بالعودة حيّة من سجن المنطقة التاسعة إلى جيدونا، ومع ذلك، لم أنجُ من تنمّر السجن، كل يوم أعود فيه، كان بمثابة جحيم جديد، بعد سماع كل هذا، سيد سامي جمال، ألا تشعر بشيء من الارتياح؟ ألا تُسعدك الحقيقة أنني أنا من انتهى بي المطاف في السجن بدلًا من أختك العزيزة، وفاء؟
شدّ سامي قبضتيه بإحكام، وعيناه فاقدتان للحياة كما لو أن الظلام قد ابتلعهما.
رسم القلق تجاعيد على وجهه الوسيم، وهو يعيد ترتيب أفكاره.
انفتح فمه قليلًا، كأنما يريد أن يتكلم، لكنه شعر بأن أي كلمة سيقولها الآن ستبدو وكأنها مجرد شكوى بلا مبرر، فتردد في الاستمرار.
همست هبة، وصوتها مختنق بالعاطفة، وكأنها تكافح لتجد الكلمات: يارا، لقد عانيتِ كثيرًا.
كل كلمة نطقتها يارا كانت كطعنة بسكين، تجرح هبة وتسبب لها ألمًا عميقًا وفوضى داخلية.
قالت يارا بهدوء: سيدة هبة جمال، أستحق هذه المعاناة، ألم أتمتع بثمانية عشر عامًا من النعم في عائلة جمال؟
كلما تمسكت بهذا الموقف اللامبالي، كأنها غريبة، زادت تأثيراته على قلوب الجميع.
بكت هبة بحرقة، وقالت: أنا آسفة جدًا، سأعوضكِ في المستقبل.
ردت يارا بهدوء: إذا كنتِ تريدين تعويض أحدهم، سيدتي فلتكوني مع وفاء، فهي ابنتكِ البيولوجية التي فقدتها لمدة ثمانية عشر عامًا.
لم يستطع سامي كبح غضبه، فوبخها قائلًا: يارا، ألا ترين مدى ندم والدتكِ؟ هل يجب أن تتحدثي بهذه النبرة الساخره؟
شعر بصدق بما مرّت به يارا في السنوات الماضية، لكن غضبه في تلك اللحظة كان نابعًا من قناعة كاملة.
واصل حديثه بصرامة: على أي حال، كل ذلك أصبح من الماضي، أنتِ الآن خارج السجن، ألا يمكنكِ أن تطوي صفحة الماضي وتعيشي حياةً هادئة معنا؟ هل يجب أن تُحدثي ضجة وتُحزني الجميع قبل أن تشعري بالرضا؟ تُعامليننا وكأننا لا نستحق اهتمامك.
فلنطوي صفحة الماضي؟
كلمات بسيطة، هل يظن أن ذلك يمكن أن يمحو أربع سنوات من الجحيم الذي عشته؟
لم يختبر معاناتي أبدًا، ومع ذلك يتسرع في إصدار الأحكام عليّ.
من الواضح أنهم هم المذنبون، لكنهم ما زالوا يتصرفون بتعالٍ أخلاقي.
شعرت يارا برغبة في لعنهم، ولكن عندما اقتربت الكلمات من شفتيها، امتنعت عن قول أي شيء.
احتاج كمال وقتًا طويلًا ليهدأ.
مع سماعه يارا وهي تصف حياتها القاسية في السجن، حتى لو لم يكن خطيبها السابق، وحتى لو كان مجرد غريب، لم يستطيع إلا أن يشعر بالحزن تجاهها.
لم يتمالك نفسه فقال: سامي، لم أرَ يارا تُحدث ضجة، كانت تخبرني بالحقيقة كما هي، بصفتك أخاها، لم تُواسيها، بل وبختها، أليس هذا غير مقبول؟