مرّ بريق من الذعر في عيني وفاء، لكنها حاولت التظاهر بالبراءة.
يارا، عمّا تتحدثين؟ كيف يُمكنني أن أنصب لكِ فخًا؟ كنتُ مجرد فتاة ساذجة، تصرفتُ بدافع الجشع، طفولتي لم تكن سهلة أبدًا، ولم أرَ قلادةً بتلك الروعة من قبل.
لكن يارا لم تكن ساذجة لتصدق هذا التبرير، حدّقت بها ببرود وسلطة واضحة.
إذا لم يكن الأمر متعمدًا، فلماذا لم تُنكري التهمة عندما اتهمتني صديقتكِ مروة؟ لماذا بقيتِ صامتة، تذرفين الدموع، بينما كنتُ أنا أتحمل اللوم؟
ارتبكت وفاء للحظة، ثم قالت بتوتر واضح: لأن الآنسة فاتن كانت مخيفة جدًا، عندما هددتني بالاتصال بالشرطة وقالت إن اللص سيُسجن مدى الحياة، شعرتُ بالرعب، لم أكن أعرف ماذا أفعل، كنتُ...
قاطعتها يارا بسخرية لاذعة: إذن، فضّلتِ أن أتحمل اللوم بدلًا منكِ؟ يا لكِ من جبانة، توقفي عن ذرف دموع التماسيح، فقد أصبحت مقززة.
أمسكت وفاء بذراعها، ودموعها تنهمر بغزارة، وكأنها تحاول استعطافها.
يارا، أعلم أن السنوات الأربع الماضية كانت قاسية عليكِ، أعدكِ أن أعوّضكِ عن كل شيء، أخبريني فقط ماذا تريدين، وسأفعله، لمَ لا تعودين معي إلى المنزل الآن؟ سأمنحكِ كل ما لديّ، حتى كمال، نعم أنا أحبه كثيرًا، ونحن على وشك الخطوبة، لكنني مستعدة للتخلي عنه من أجلكِ.
كان في صوتها أثر خفي للتفاخر، وكأنها تُذكرها بأنها الفائزة في النهاية.
لكن يارا لم تتأثر، أبعدت يدها عنها وحدّقت بها بنظرة فارغة من أي مشاعر.
رجاءً، كفي عن الحديث عن رجلٍ تافهٍ لا يهمني، أنتِ وكمال مناسبان لبعضكما تمامًا، لذا كوني مطمئنة، لن أُفسد عليكما سعادتكما.
لم تستطع وفاء إخفاء صدمتها: لكنكِ لن تعودي إلى المنزل؟ هذا مستحيل، لا أصدق أن أبي قد تخلّى عنكِ.
إذن ارتاحي، في عائلة جمال، لم تعد هناك سوى ابنة واحدة، وأنتِ تعرفين جيدًا من تكون.
اتسعت عينا وفاء بدهشة حقيقية هذه المرة: لا بد أن هناك سوء تفاهم، سأذهب وأتحدث مع أبي، لا يمكن أن يكون قاسيًا إلى هذا الحد، ستبقين أختي دائمًا.
لكن يارا لم تعد تكترث، وزفرت بنفاد صبر.
كفى، لقد تحدثتِ كثيرًا، هل تحاولين تهدئة ضميركِ؟ لا حاجة لكل هذا التمثيل، في النهاية، كل ما في الأمر أنني لم أعد جزءًا من هذه العائلة، وأنتِ تعلمين ذلك جيدًا.
كانت وفاء لا تزال تبكي، وكأنها الضحية الوحيدة في هذا المشهد.
لكن يارا لم يعد لديها طاقة لمواصلة هذه المسرحية المبتذلة، نظرت إلى زجاجة العصير المكسورة على الأرض، ثم قالت ببرود: سأطلب من شخصٍ آخر أن ينظف هذا الفوضى بدلًا مني.
ثم استدارت وغادرت الغرفة، دون أن تلقي نظرة أخرى إلى الوراء.
لم تكن صحتها في أفضل حالاتها، ولم تكن ترغب في تضييع المزيد من الوقت على وفاء وألاعيبها.
لم تكن صديقة وفاء المقربة مجرد شخصية عادية، بل كانت تجيد التلاعب بالمواقف لصالحها.
أما يارا، فلم تكن ترغب في الإبقاء على أي علاقة مع عائلة جمال، باستثناء فيحاء.
بمجرد أن غادرت يارا الغرفة الخاصة، لحقت بها وفاء على الفور.
يارا، انتظريني، لا يزال لديّ ما أقوله لكِ...
أزعجها إلحاحها الشديد، فحاولت تجاهلها، مسرعةً في خطواتها رغم الألم الذي ينبض في ساقيها.
عندما وصلت إلى الدرج، تعثّرت وفاء فجأةً، وترنحت على الحافة، مطلقةً صرخة حادة.
توسّعت عينا يارا بصدمة وهي تراقب المشهد، كانت وفاء تتشبث بالسور، لكنه انزلق من بين أصابعها، وكأنها فقدت السيطرة تمامًا.
في تلك اللحظة، راود يارا تساؤل مُرّ: هل هي خائفة حقًا، أم أنها تعيد السيناريو نفسه الذي أدى إلى سقوطي قبل أربع سنوات؟
مرّ انعكاس قاتم في عينيها، لكنها لم تتردد، تحركت بغريزتها، أمسكت بالسور، وانقلبت بسرعة لتقفز، قبل أن تسقط وفاء، احتضنتها، مستخدمةً جسدها لتخفيف الصدمة.
اتسعت عينا وفاء بذهول، غير مصدّقة كيف تحركت يارا بهذه السرعة.
لكن يارا لم تكن كما كانت قبل أربع سنوات، في السجن، صقلت ردود أفعالها، تعلمت كيف تنجو من الضربات القاتلة، كيف تتفادى الأذى، وكيف تكون سريعةً بما يكفي لحماية نفسها.
لكن هذه المرة، كانت هي من تعرض للأذى.
سقطت بقوة على الأرض، وارتطم جسدها وساقاها ورأسها بالدرج، كان الألم لا يُحتمل، حتى أنها شعرت بوعيها يتلاشى للحظة.
نزف جبينها من جرح عميق أصابته حافة درج خرسانية، لكن رغم الألم، لم تندم.
رفعت رأسها بصعوبة، وسألت بصوت ضعيف: هل أنتِ بخير؟
كانت وفاء الابنة المدللة لعائلة جمال، أي مكروه يصيبها بحضور يارا، سواء كان لها يد فيه أم لا، سيُستخدم ضدها دون تردد.
لقد عانت يارا بما فيه الكفاية، وخرجت من السجن بصعوبة، ولم تكن لتسمح لعائلة جمال بأن تجد سببًا آخر لإيذائها مجددًا.
تحت الضوء الخافت، بدت وفاء شاحبة وخائفة، كانت عيناها محمرّتين، وحدّقت بالأرض دون أي تعبير.
هرعت مروة نحوها، وأمسكت بذراعها لتساعدها على النهوض.
سألتها بقلق ظاهر: وفاء، هل أنتِ بخير؟
لكن وفاء ظلت صامتة، وكأنها لا تزال تحت تأثير الصدمة.
عندها، التفتت مروة نحو يارا، والغضب مشتعل في عينيها، دون أن تفكر أو تتأكد مما حدث، أشارت إلى يارا متهمةً إياها بصوت مرتفع: لماذا دفعتِ وفاء من على الدرج؟ يا لكِ من امرأة قاسية القلب، كان الدرج مرتفعًا جدًا، ومع ذلك تجرأتِ على دفعها، هذه محاولة قتل واضحة.
كان سلوكها المتغطرس مطابقًا تمامًا للطريقة التي تصرفت بها قبل أربع سنوات، عندما اتهمت يارا زورًا بأنها لصّة.
لكن هذه المرة، يارا لم تكن الفتاة التي ستقف مكتوفة الأيدي.
عندما سمعت وفاء تلك الكلمات، عادت إلى الواقع، لا تزال تحت تأثير الصدمة، كانت الدموع تتلألأ في عينيها، وقالت بصوت متقطع: يارا لم تفعل ذلك عن قصد، إنها طيبة القلب، لا يمكن أن تدفعني.
لكن مروة لم تكن مستعدة لترك الأمور تسير بهذا الشكل، رمقتها بنظرة متفحصة قبل أن ترفع صوتها بغضب مصطنع: مستحيل، لقد رأيتُ كل شيء بعيني، لقد لاحقتها إلى الدرج وظللتِ تعتذرين، لكنها رفضت قبول اعتذارك، ثم بسبب غضبها، دفعتكِ أرضًا.
ثم انفجرت ضاحكة بسخرية، قبل أن تضيف بحماس: وفاء، علينا الاتصال بالشرطة فورًا، يجب أن تتهميها بمحاولة قتلك.
لكن قبل أن تتحول الأمور إلى كارثة، هزّت وفاء رأسها بعنف، ورفضت قائلة: لا، لن تحاول يارا قتلي أبدًا، لا يمكنني السماح لها بالعودة إلى السجن مجددًا.
في تلك اللحظة، رأت يارا كيف لعبت الاثنتان دورهما بانسجام وكأنهما تدربتا عليه مسبقًا: كفى.
بلغ الغضب بها ذروته، فرفعت يدها وصفعت مروة بقوة.
صفعة مدوّية ملأت الهواء.
اتسعت عينا مروة بذهول، ورفعت يدها إلى خدّها المتورم، غير قادرة على استيعاب ما حدث.
صاحت بصدمة: كيف تجرئين على ضربي؟
لكن يارا لم تكن مستعدة للسماح لها بإعادة كتابة الأحداث كما فعلت قبل أربع سنوات، تقدمت خطوة أخرى، وحدقت في مروة ببرود:
إذا كنتِ بحاجة إلى صفعة، فهل عليّ أن أختار توقيتًا مناسبًا لذلك؟
وقبل أن تستوعب مروة ما يحدث، جاءت الصفعة الثانية.
ضربة أقوى هذه المرة، جعلت رأسها ينحرف جانبًا، وتركت طنينًا في أذنيها.
ثم تحدثت يارا بصوت حاد، كل كلمة تحمل ثقل سنوات من الظلم والغضب المكبوت: الصفعة الأولى... لاتهامكِ لي زورًا بالسرقة قبل أربع سنوات، والتسبب في سجني ظلمًا.
والصفعة الثانية... لكذبكِ مجددًا ومحاولتكِ إلقاء اللوم عليّ في سقوط وفاء.
بعد ذلك، استدارت إلى وفاء، وحدّقت بها مباشرة، ثم زأرت بصوت منخفض لكنه مشحون بالغضب: لا يهمني إن كانت صديقتكِ المقربة هي من دبّرت هذا الأمر، أو إن كنتِ أنتِ من تحركين الخيوط من وراء الكواليس، لكن اسمعي جيدًا...
تقدمت نحوها خطوة، مما جعل وفاء تتراجع لا إراديًا.
لقد نجوتُ من الموت مرة، ولن أسمح لكِ بإيقاعي في فخ آخر، إذا تكرّر ما حدث اليوم، فلن تقع الصفعة القادمة على وجه مروة... بل على وجهكِ أنتِ.
وقفت وفاء مكانها، عاجزة عن النطق، كان وجهها شاحبًا، وأصابعها متشبثة بحافة تنورتها، سواء كان ذلك خوفًا أم شعورًا بالذنب، لم تملك حتى الشجاعة لرفع رأسها والنظر إلى يارا.
لقد ضربتني.
صاحت مروة، التي بدأت تستعيد وعيها من الصدمة: سأتصل بالشرطة، لا أحد يجرؤ على لمسي بهذه الطريقة.
لم يمضِ وقت طويل حتى تجمّع الناس حولهم، يتهامسون فيما بينهم، وسط الحشد، تحركت شخصية شامخة، تحمل هالة من السلطة والقوة.
كان سامي.
توقف أمامهم، ناظرًا إلى المشهد بعينيه الحادتين، ثم بصوت بارد كالجليد، قال: يارا، هل ضربتِ أحدًا؟