بحث سامر عن معلومات حول حالة ليلي في المستشفى، لكن جميع من تحدث معهم تظاهروا بالجهل.
في الخارج، كان أفراد عائلة هيبة يرتجفون في الممر الجليدي، حيث رفضت عائلة شاكر مقابلتهم، وأصبح الانتظار لا يُحتمل.
اعترفت بهيرة بالهزيمة أولاً، وقالت، "سأذهب لرؤية داليا..."
كانت داليا أيضًا في المستشفى، ولكن في جناح الولادة.
أما سامر ورامي، فلم يعد باستطاعتهما التحمل، ومع ذلك لم يرغبا في المغادرة، فاستسلما للبقاء في البرد... دون أن يدركا أن هذه كانت مجرد بداية لمشاكلهما!
---
في تلك الأثناء، كانت ليلي تسمع أصوات الأجهزة الطبية من حولها، وأصواتاً أخرى غير واضحة، لكن كان هناك صوت مميز برز من بينها.
"ليلي ... يا عزيزتي ليلي ... مرحبًا، يا زهرتي الصغيرة! عليك أن تستيقظي قريبًا، حسنًا؟ إذا لم تفعلي ذلك، سأقوم ..."
شعرت ليلي وكأن هذا الصوت كان يشبه سربًا من النحل يهمس بجانب أذنها، مما جعلها تشعر بالتعب.
من يكون هذا الشخص الذي يتحدث معها؟
بدأت جفونها ترفرف ببطء، ثم فتحت عينيها لترى جدارًا أبيض أمامها.
كانت مجموعة من الأشخاص تحيط بسريرها، وأخذت تراقبهم بعناية.
كان جمال أول من تحدث بحماسة، وقال، "ليلي! أنت مستيقظة الآن! أنا عمك جمال ..."
حبست عائلة شاكر أنفاسها، جميعهم يراقبون ليلي بتركيز واهتمام.
نظرت ليلي إليه بحيرة وقالت بصوت خافت، "عم جمال؟"
كانت نظرتها الخالية من التعبير تشبه دمية من الخزف الهش.
شد هادي فمه وهو يلاحظ جسد ليلي النحيل جداً، بدت صغيرة جداً لدرجة أن سرير المستشفى بدا كأنه يبتلعها. كانت رؤيتها بهذا الشكل مؤلمة للجميع، وكأن الهواء أصبح ثقيلاً يصعب تنفسه.
تحدث جمال برقة أكبر، "ليلي، أنا أخو أمك. اسمي جمال. لقد اتصلت بي في وقت سابق، هل تتذكرين؟"
تجعدت حاجبي ليلي بارتباك، وبعد لحظة، قالت بصوت خافت، "أوه."
تذكرت الآن.
كانت قد اتصلت برقم عمها جمال.
لكنه لم يستجب لها في البداية.
تساءلت ببراءة وخوف، "هل... هل جئت لتبحث عني؟"
هز الرجال حول السرير رؤوسهم بقوة، ثم أضاف باهر قائلاً بلطف، "ليلي، أنا عمك باهر. كلنا هنا لنأخذك إلى البيت."
شعر هادي بانقباض في حلقه، فتنفس بعمق وقال بصوت مشوب بالعاطفة، "نعم، هذا صحيح يا ليلي. نحن هنا لنأخذك إلى البيت. في المستقبل، لن يجرؤ أحد على التنمر عليك أو إيذائك. إذا حاول أحدهم، فسيتعامل جدك هادي معه."
نظرت ليلي إلى الرجال حولها، واحدًا تلو الآخر.
هل سيأخذونها إلى البيت حقاً؟
لم تكن متأكدة مما إذا كانوا سيتركونها مرة أخرى بعد أن يأخذوها إلى هناك، ولم تكن تعلم إذا كان البيت يعني لها الأمان أو إن كان سيحمل معها معاناة جديدة. هل سيؤذونها كما اعتادت؟ هل سيتركونها جائعة؟
لاحظ أفراد عائلة شاكر صمت ليلي، مما زاد من توترهم.
لم يكن لدى أي منهم خبرة كافية في التعامل مع الأطفال. فالتفتوا جميعهم نحو أنور ولؤي، وكأنهم يتوقعون منهما المساعدة.
أنور، الابن الأكبر لعائلة شاكر، كان في الأربعين من عمره ولديه طفلان، لكنه لم يكن بارعًا في التعامل مع الأطفال. بعد تردد، قال بصوت مباشر وجاف، "ليلي، ما الذي يقلقك؟"
نظر إخوته إليه بنظرات متأججة، معترضين على نبرته القاسية.
أما لؤي، الابن الثاني في الثامنة والثلاثين من عمره، فكان بطبيعته صامتًا ويجد صعوبة في التعبير، فشعر بالحرج وسعل بخفة، ولم يجد ما يضيفه.
كان التوتر يملأ الغرفة بوضوح.
تنهد جمال بعمق، واقترب من سرير ليلي، وربت بلطف على شعرها. بصوت ناعم ومطمئن، قال، "عزيزتي ليلي، لماذا لا تخبرينا إذا كان لديك اسم آخر غير ليلي؟"
نظرت ليلي إلى السقف بصمت قبل أن ترد بهدوء، "ليس لدي أي اسم آخر غير ليلي."
تذكرت كلام والدها حين قال إنها ليست بحاجة لاسم آخر؛ وذكر أنهم سيتناقشون في الأمر حين تلد زوجة أبيها شقيقها الصغير.
كانت والدتها هي من اختارت لها اسم ليلي، ولم يكن لديها أي اسم آخر.
شعر جمال بألم يعتصر قلبه. كيف عاشت هذه الطفلة في منزل آل هيبة دون حتى أن يكون لها اسم حقيقي؟
قمع غضبه بصعوبة، ثم سأل برفق، "حسنًا، ليلي، هل يمكنك أن تخبري عمك جمال بما يجول في خاطرك الآن؟"
التفتت ليلي إليه ببطء، تنظر في عينيه بتركيز. لم تكن واثقة من هذا الشخص الذي يدّعي أنه عمها جمال.
في ذلك اليوم، كان عالم ليلي مظلمًا جدًا، لكن هذا الرجل، عمها جمال، اخترق ذلك الظلام مثل شعاع من الضوء وأخرجها من عزلتها.
ارتعشت شفتاها قليلاً وسألت بتردد، "عم جمال... عندما نعود إلى البيت، هل... هل يمكنني أن آكل؟"
أصاب السؤال أفراد عائلة شاكر بالذهول.
هذه الطفلة الصغيرة كانت تسأل إذا كان يُسمح لها بالأكل عندما تصل إلى البيت...
وقبل أن يتمكن أحد من الرد، همست ليلي بصوت خافت مرة أخرى، "هل ستضربونني؟"
أربع كلمات بسيطة، لكنها كانت كافية لجعل هادي على وشك البكاء.
كانت هذه الطفلة الصغيرة تخشى أن تُحرم من الطعام وتتعرض للضرب.
أي معاناة مرت بها ليلي في منزل آل هيبة؟!
كانت نصف جائعة ولا ترتدي ما يكفي لتحتمي من البرد القارس.
عندما كانت تستيقظ من كوابيسها، لم يكن هناك من يواسيها، وفي أيام الصيف الحارة لم يكن هناك من يهتم عندما تكون مبللة بالعرق.
أدار هادي وجهه بعيدًا، يعض شفتيه لمنع الدموع من الانهمار.
أخوة شاكر أيضًا كانوا غاضبين، لكنهم كتموا غضبهم خوفًا من إخافة ليلي.
مدّ جمال يده وأمسك بيد ليلي الصغيرة، ووضعها بلطف على خده، وهمس بصوت متأثر، "عزيزتي ليلي، عندما نعود إلى البيت، يمكنك أن تأكلي ما تريدين، ولن يضربك أحد. انظري، هذا عمك أنور، وهذا عمك لؤي، وهذا عمك باهر... جميعهم رجال أقوياء. جميعنا هنا لنحميك، ولن يؤذيك أحد بعد الآن."
أمسكت ليلي بالأغطية بإحكام بيدها الأخرى وبقيت صامتة لفترة طويلة، كما لو كانت تحاول تصديق ما سمعت.
في اللحظة التي اعتقد فيها آل شاكر أن ليلي ليس لديها ما تقوله، صرخت فجأة، "عم جمال، لم أدفع أحدًا. كان أبي وجدي يضغطان علي للاعتراف، لكنني رفضت..."
كررت كلماتها بعناد، وعلامات الإصرار مرسومة على وجهها الصغير، بينما كان الحزن يملأ عينيها.
تساءلت في نفسها: هل يهتم عمها حقاً لأمرها؟ الآن بعدما اعترفت بأنها لن تعترف بشيء لم تفعله، هل سيرغبون في طفلة عنيدة مثلها؟
شعر جمال بكتلة في حلقه، وامتلأت عيناه بالدموع. حتى هادي لم يستطع كبح مشاعره ومسح دموعه بصمت.
قال أنور بثبات وهدوء، "عمك أنور يصدقك، ليلي. كان ما فعلته صحيحًا؛ عدم الاعتراف بشيء لم يكن ذنبك."
أومأ جمال موافقًا، قائلاً، "هم المخطئون يا ليلي، ولم ترتكبي أي خطأ. فعلتِ الشيء الصحيح."
بعد سماع كلماتهم، بدأ فم ليلي يرتعش قليلاً، وبدأت دموعها تتدفق على خديها، وكأن كل تلك الدموع المكبوتة وجدت أخيرًا مخرجًا، رافضة أن تبقى مكبوتة أكثر من ذلك.
ظل وجهها الصغير محتفظًا بذلك التعبير العنيد، لكن صوتها كان مختنقاً بالدموع.
قالت بصوت متهدج، "لكن... لكن أبي لا يصدقني. قال إني قتلت شقيقي الصغير، وأنه إذا لم أعترف، فلن يسمح لي بالمغادرة."
بينما كانت تبكي وتروي هذه الكلمات، بدا وكأن ليلي وجدت أخيرًا شخصًا يمكنها أن تشارك معه ألمها.
حتى الأطفال في عمر الثلاث سنوات ونصف يمكنهم أن يشعروا بالظلم، بغض النظر عن مدى عنادهم أو تصميمهم.
امتلأ جمال بالغضب، وقال بصوت مكتوم، "ذلك الرجل لا يستحق أن يكون والدك!"
"جمال!" قال أنور بحزم معترضًا.
أجبر جمال نفسه على التزام الصمت، لكن الغضب لم يغادر قلبه. فكرة أن سامر كان ينتظر في الخارج جعلته يرغب في تمزيق سرير المستشفى وأخذ إحدى دعامات الأنبوب المعدني ليعطي ذلك الرجل درسًا لن ينساه.
بكت ليلي لبرهة أطول، ثم غفت أخيرًا، مستسلمة للتعب.
بمجرد أن خرجوا من غرفة المستشفى، سأل جمال بغضب، "أنور، هل سنترك آل هيبة يفلتون بسهولة حقًا؟ الإفلاس وحده لا يكفي كعقاب لأشخاص مثلهم!"
أخذ أنور نفسًا عميقًا، وبدأ ببطء في طي أكمام قميصه للأعلى. بنبرة هادئة لكن حازمة، قال، "ثمانية ضد واحد، جمال. هل هذا يكفي لك؟"
كان في تلك الكلمات وعد صامت بأن عائلة شاكر بأكملها، بثمانية أفرادها الأقوياء، سيسعون للانتقام من عائلة هيبة.
لقد قرروا أن عائلة هيبة لن تفلت من العواقب، وسيشعرون بوزن غضب آل شاكر حتى آخر فرد منهم.